في هذا الإطار يسرنا أن نعرض عليكم ترجمة لبعض الجوانب البيئية في أطروحة دكتوراه في مجال الديموغرافيا والعمران، موضوعها «النمو العشوائي لنواكشوط 1957-2009» ناقشها مؤخرا الأستاذ محمد عبد الله حمادن في جامعة أنتا ديوب بداكار ونالت التقدير والإعجاب.
وهذه الجوانب هي:
الحلقة 1: العوائق البيئية لمنطقة نواكشوط
إن العوائق البيئية كما أوردتها رسالة سياسة تنمية القطاع الحضري في نواكشوط، المقدمة للممولين 2001 في باريس، هي: الملوحة وزحف الرمال وصعوبة الصرف الصحي ومعالجة المخلفات.
ويعكس الإطار الطبيعي لنواكشوط والمناطق المحيطة به عوائق كثيرة في وجه الاستصلاح الحضري.
هذه العوائق تتضح أكثر بإلقاء نظرة على مخطط لريش (Leriche)، وهو أول مخططة لنواة مدينة نواكشوط الأولى، اقتصر صاحبه على المناطق الصالحة للعمران، وهي موقوفة كما يتضح من المخطط على المنطقة المحصورة من بين منخفضات مناطق المطار شرقا والميناء والسبخة جنوبا وتفرغ زينه غربا، وهي مناطق سبخية منخفضة، غير صالحة للعمران. فلا يمكن إذن حسب هذا المخطط تمدد المدينة إلا على رأس التل الرملي الممتد عبر ما يعرف بـ"لكصر الفوكاني".
وقد منع ذلك السلطات قبل جفاف السبعينات من اختراق هذه المناطق.
وتمثل القحولة المصدر الرئيسي لهذه العوائق في وجه الحياة وانتظام العمل البشري. ويعاني موقع نواكشوط من نقص المياه السطحية الصالحة، وغياب الغطاء النباتي الذي كان هشا، وفقر التربة وتعاقب الرياح العاتية.
وفضلا عن دراسات الانعكاس البيئي المنجزة مسبقا لأي مشروع يتم استغلاله، يجدر تبني بعض الإجراءات الوقائية ووضع منظومة من شأنها الكشف عن كل التهديدات ذات الانعكاس البيئي خاصة في مجال البترول. ويعني هذا على وجه الخصوص مخاطر التلوث البحري والآثار المحتملة لاستغلال البترول على الشاطئ بمفهومه الواسع وعلى أداء الصيد ومخاطر تدهور النظم البيئية الطبيعية، وبالذات في حوض آركين وعلى امتداد بقية الشاطئ، في وقت يتم التفكير فيه في استثمار جزء من هذا الشاطئ تنفيذا لسياسة قطاع السياحة.
وبناء عليه، فالاتفاقات المراجعة لتقاسم الإنتاج تكرس مبدأ أخذ الاحتياط في مجال الحماية البيئية. وتعتزم على وجه الخصوص: (أ) إعداد خطة للتسيير البيئي طبقا للمعايير الدولية في المجال؛ (ب) تمويل صندوق مخصص للسهر الدائم ووضع نظام للإنذار المبكر.
وبمصادقتها، خلال السنوات الأخيرة على عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة، تجد موريتانيا نفسها مرغمة على تكييف نصوصها من أجل احترام هذه الاتفاقيات بما فيها الاتفاقية الإطار حول التغيرات المناخية (UNFCCC)، واتفاقية التنوع البيولوجي (CDB)، واتفاقية Ramsar حول المناطق الرطبة، واتفاقية مكافحة التصحر (CLCD).
يعكس التصديق على هذه الاتفاقيات كون التحسينات البيئية ليست حكرا على البلدان الغنية يتعين على البلدان الفقيرة التخلي عنه، بل يجب على هذه الأخيرة تحمل مسؤولياتها في التسيير المشترك لكوكب الأرض.
غير أن موريتانيا، بفعل تقدمها الصناعي المحدود، تمتاز بمعدلات انبعاث ضئيلة من الكربون، في حدود 1.2 طن متري للفرد سنويا (2000)، وهو ما يعني تراجعا ب 0.1 طن مقاربة ب 1990). كما أن قطاع النقل ليس متطورا هو الآخر، وهذا رغم تهالك الأسطول الوطني من السيارات مما يؤدي إلى انبعاثات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2). وما يزال إنتاج الطاقة الكهربائية مرتبطا أساسا بمصادر الطاقة الحرارية أكثر من غيرها، رغم استغلال الطاقة المائية لمونانتالي ومحطات الطاقة الشمسية مؤخرا، في حين أن الطاقة المنزلية ما تزال تستخدم الحطب والفحم اللذين يصدران نسبا عالية من ثاني أكسيد الكربون. هذا التحسن في الأداء ينبغي أن يتطور بفضل سياسة استخدام الطاقة الغازية في المنازل تدريجيا، مع العمل على تطوير الطاقات البديلة (الهوائية والشمسية على وجه الخصوص).
وقد سعت خطة تنفيذ التنمية المستدامة التي تم تبنيها في قمة جوهانسبرغ (جنوب إفريقيا) في مجال الطاقة إلى الرفع من المساهمة الإجمالية لمصادر الطاقة المتجددة، على وجه الاستعجال حسب الإمكان.
ويبدو من الضروري الاستفادة من التجارب الوطنية والإقليمية في مجال الطاقة الشمسية والهوائية إضافة إلى إقامة قطب للإنعاش والإرشاد حول هذه التكنلوجيا، بما فيها النماذج الصناعية التجريبية القائمة على الطاقة الشمسية (الأفران، مسخنات، المقطرات، شاحنات البطاريات، مجففات)، وذلك بمساعدة بعض الهيئات مثل الوكالة الوطنية للكهرباء الريفية، وبعض المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال البيئة مثل موريتانيا 2000، وبدعم من منظمات من منظمات غير حكومية دولية.
وتؤثر هذه العوائق بقوة على التوسع الأفقي المنتظم للمدينة ومن ثم ينبغي أخذها في الحسبان في وثائق المخططات العمرانية. في حين أنه من المؤسف إلى يومنا هذا غياب جهود تكييف أعمال التخطيط الحضري مع الأهلية البيئية للتربة.