أي حق للإنسان أهم من البيئة

خميس, 01/23/2020 - 18:36

تعرف الأمم المتحدة حقوق الإنسان بأنها حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم الوطني أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر. فالجميع له الحق في الحصول على الحقوق الإنسانية على قدم المساواة وبدون تمييز. وجميع هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة.

يستشف من هذا التعريف أن جميع حقوق الإنسان، سواء كانت حقوقا مدنية أو سياسية، مثل الحق في الحياة والمساواة أمام القانون وحرية التعبير؛ أو حقوقا اقتصادية واجتماعية وثقافية، مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي والتعليم، أو حقوقا جمعية مثل الحق في التنمية وتقرير المصير، تعتبر حقوقا لا تتجزأ ومترابطة ومتآزرة. ومن شأن تحسين أحد الحقوق أن ييسر الارتقاء بالحقوق الأخرى.

ولا يخفي هذا التعريف مدى الارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والبيئة، فحق الحياة مثلا يدخل ضمنه الحق في الماء الشروب والحق في الهواء النقي والحماية من الكوارث وغيرها وهي أمور تبرز مدى أهمية البيئة والحفاظ عليها وأن هذه الحقوق تتطلب أولا عناية خاصة بالبيئة والأرض.

ومن نافلة القول أن الله سبحانه وتعالى ما خلق شيئا عبثا، فلكل مخلوق في هذا الكون دور خاص به قد لا ندركه نحن وقد يشكل غيابه إخلالا بالتوازن البيئي، لذلك تعتبر حماية الوسط البيئي والمحافظة عليه محافظة على بقاء الإنسان وعلى حقوقه، والأمثلة على ذلك كثيرة وسنكتفي بمثال واحد من موروثنا الشعبي البدوي. فمن المعروف أن طائر الحبارى يأكل الثعابين وهو في نفس الوقت غذاء جيد ولحمه طري، فكان البدو إذا كثرت الأفاعي في مناطقهم يتناهون عن صيد الحبارى حتى يتحقق التوازن الايكولوجي.

هذه الحقيقية نادى بها الكثير من أنصار البيئة الذين بدؤوا يستشعرون خطر الثورة الصناعية الحديثة وما تحدثه من تلوث للبيئة على الإنسان.

 وفي السنوات الأخيرة، أصبح الجميع على قناعة بالصلات الوثيقة بين حقوق الإنسان والبيئة وحدث تطور سريع في عدد ونطاق القوانين الدولية والمحلية والقرارات القضائية والدراسات الأكاديمية الخاصة بالعلاقة بين حقوق الإنسان والبيئة، فأدرجت دول عديدة في دساتيرها الحق في بيئة صحية ونظيفة.

ورغم الوعي المتزايد عالميا بأن الحفاظ على البيئة أصبح أول أولويات حقوق الإنسان إذ لا يمكن إدراك حقوق الإنسان الأخرى دون توفر بيئة نظيفة وصحية، إلا أن ذلك الوعي لا يزال ضعيفا في موريتانيا، فمنظمات المجتمع المدني التي تنشط في مجال حقوق الإنسان لا تعتبر نفسها معنية بالبيئة وهذا يستدعي حملات تحسيسية واسعة لهذه المنظمات وللمدافعين عن حقوق الإنسان وللمجتمع بشكل عام حتى تتضح الصورة وتتكاتف الجهود ويدرك الجميع هذا الحق الإنساني الأساسي الحيوي، عندها ستدرك الشركات العاملة في مجال التعدين أن التلوث جريمة في حق الإنسانية وستدرك سفن الصيد الأجنبية العملاقة أن تجريف بيئتنا البحرية جريمة في حق الإنسانية وهكذا.. 

 

على المستوى الرسمي، تدرج الاهتمام بالبيئة – على غرار المجموعة الدولية- من مجرد نشاطات بسيطة تتبع لوزارة التنمية الريفية إلى وزارة منتدبة لدى الوزير الأول مكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة لتتحول لاحقا إلى وزارة مستقلة، وهذا يعكس اهتمام الدولة المتزايد بالبيئة مواكبة لاهتمام العالم بها و خصوصا الشركاء الفنيين والماليين للبلد.

غير أن هذا الاهتمام لم يترجم إلى واقع حي له نتائج ملموسة على بيئتنا بسبب غياب أو تغييب المجتمع المدني، الذي يعتبر هو الفاعل الأول في ميدان الحفاظ على البيئة، إذ أن الأنشطة في هذا الصدد ما لم تواكبها رقابة المواطن لن تؤتي أكلها ولن تحقق الأهداف المرسومة لها مهما كان حجم التمويل والاهتمام الحكومي بها.

ولعل الحكومة وشركاءها الفنيين أدركوا ذالك بعد تجربة "الإطار الاستراتيجي المكافحة الفقر 2000 – 2015 والذي لم يحقق الأهداف التي وضعت له بسبب عدم إشراك المجتمع المدني في تصور النشاطات وتنفيذها على أرض الواقع. فتم إشراك هيئات المجتمع المدني في صياغة "إستراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك 2015 – 2030" التي حلت محل إطار مكافحة الفقر. شاركت منظمات من المجتمع المدني وهيئات شبابية ونقابات في صياغة تلك الإستراتيجية لكن المرحلة الأهم، وهي مرحلة تنفيذ خطط العمل المنبثقة عن هذه الإستراتيجية، تم تغييب المجتمع المدني عن مراقبتها، فبرزت صعوبة الوصول إلى  المعلومات المتعلقة بالتنفيذ وسير العمل في الورشات والتمويلات، وفي أحسن الأحوال كان المسؤولون عن تطبيق هذه الخطط يعمدون إلى اختيار منظمات صورية لا مصداقية لها وليست لها دراية أو اهتمام بموضوع الرقابة، ويقدم هؤلاء (الأشخاص) على أنهم ممثلون للمجتمع المدني، كل ذلك أدى إلى تمييع المجتمع المدني وضعف رقابته وبالتالي غياب الحكامة الرشيدة وعدم تحقيق الأهداف المرسومة.

هذا الواقع يفرض علينا كمهتمين بحقوق الإنسان وبالبيئة أن ننبه السلطات العليا إليه وأن نعمل جاهدين على إيجاد طرق بديلة للرقابة على تنفيذ الورشات الممولة والمنفذة وفقا لخطط عمل هذه الإستراتيجية التنموية التي نعلق عليها الكثير من الآمال في النهوض بهذا البلد وتوفير فرص العمل للشباب وإنشاء البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية وخلق بيئات جاذبة للاستثمار مع مراعاة احترام الجانب البيئي الذي تشكل حمايته حماية لحقوق الإنسان الموريتاني حتى يتحقق الرفاه والرخاء لمواطنينا.

إن تشكيل مجموعات شبابية محلية من ناشطي المجتمع المدني في الأماكن التي تنفذ فيها المشاريع العامة، تأهذ على عاتقها رقابة ومتابعة تلك المشاريع قد يساهم في الاطلاع عن كثب على مدى تقدم الاشغال في هذه الورشات، وهل يتناسب مع التمويلات المخصصة لها وهل تنفيذ هذه المشاريع يحترم الآجال المتفق عليها وغير ذلك من المعلومات المتعلقة بهذه المشاريع. هذه المجموعات الشبابية ستسهر على عدم الإضرار بالبيئة من قبل الجهات المنفذة وهذا سيسهم بشكل فعال في خلق وعي مواطني لدى السكان بأن هذه المشاريع إنما وجدت لخدمتهم وتم تمويلها من المال العام، وبذلك يمكن اكتشاف أي خلل أو سوء تسيير أو فساد في وقت مبكر بحيث يمكن تصحيحه والتغلب عليه. وهكذا تتحقق الأهداف المنشودة.

أذكر هنا أن السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أكد في برنامجه الانتخابي "تعهداتي" أن المحافظة على البيئة تعتبر من أولوياته، لذلك أعتقد – ما لم يثبت العكس – أن الإدارة الجديدة ستتجاوب مع أي مجهود للمجتمع المدني يسعى لحماية البيئة. فالكرة الآن في ملعب المجتمع المدني للتحرك بوعي وفاعلية ضد أي نشاط اقتصادي قد يضر بنظامنا البيئي.

بوموزونه 

العمل من اجل البيئة منظمة غير حكومية ذات نفع عمومي رقم مرسم 072/2007

التصنيف: 

الأخبار