بكى طفل الشابة فادية زاهدة طالباً منها إحضار لعبة له يلهو بها، فوعدته بتأمينها في اليوم التالي بسبب تأخر الوقت حينها، لكنه استمر في البكاء، وأمام إلحاحه أحضرت مجموعة من الأوراق وبدأت بإعداد لعبة ورقية له، لتتحول هذه اللعبة إلى مشروع أسمته "عجائب الورق" تجني منه ما يقارب الـ 700 دولار شهرياً.
قبل ستة أعوام، انطلقت الشابة زاهدة في تأسيس مشروعها "عجائب الورق" في مدينة الخليل، والقائم على تحويل قصاصات الورق المستخدم والجديد إلى أشكال فنية عديدة، يمكن استخدامها كأشكال لتزيين مداخل ومخارج المنازل والمكتبات.
تقول: "عجائب الورق بات عالمي الخاص، منه أوفر لقمة العيش الكريمة لي، وأحول أفكاري إلى مواد ومجسمات يمكن تبادلها كهدايا بين الأفراد، حيث أن هناك العديد من المؤسسات المحلية تطلب توفيرها".
ترمي زاهدة من "عجائب الورق"، إلى الحفاظ على البيئة من التلوث، والحد من إغراقها بالمخلفات الورقية، خاصة عند انتهاء الفصول الدراسية، حيث يشيع سلوك سلبي لدى الطلبة يتمثل بإلقاء الكتب والقرطاسية في الشوارع والأماكن العامة، ما يدفعها لجمعها واستخدامها في تشكيل وصناعة مجسمات ورقية جميلة.
تخطي العقبات
تعتبر زاهدة أن ما واجهته وتواجهه حتى الآن من صعوبات هو دافعٌ للاستمرار وتخطي كل العقبات، والأهم تعزيز دورها في المجتمع بحيث تكون امرأة ناجحة معتمدة على ذاتها مالياً.
وبينت زاهدة لـ "آفاق البيئة والتنمية" إلى أن إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي للطرق الواصلة بين مدن الضفة الغربية المحتلة، منعها من المشاركة في عدة معارض، كما أعاقت الحواجز وصولها في الموعد المحدد للمشاركة في ورشات العمل والندوات التي كانت تُدعى إليها، بهدف الحديث عن تجربتها الخاصة في مشروع "عجائب الورق" ونقلها للآخرين.
وأكدت على أن منتوجاتها الورقية شقّت طريقها نحو دول عربية وأجنبية عدة، وهو ما يؤكد متانة وصلابة تلك المنتجات وسهولة نقلها على المعابر والمطارات، وهو ما أهّلها لأن تصبح مدربة في مجال ريادة الأعمال عبر مؤسسات نسوية عدة.
منتج صديق للبيئة
وبات مشروع "عجائب الورق"، يحظى باهتمام المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية، كونه يحافظ على البيئة من الآثار السلبية التي يخلفها إلقاء الأوراق في كل مكان، وأيضاً في ظل غياب آلات وماكنات قادرة على إعادة تدوير الورق لاستخدامه في مجالات أخرى.
وتشير زاهدة إلى استعانتها بمواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، للتزود بأفكار تساعدها في تطوير موهبتها، وتسويق وتغليف وتصوير منتجاتها، لتقديمها إلى الناس بطرق غير تقليدية تجذب انتباههم.
ووَجدت منتجات زاهدة في المعارض والمهرجانات التي تنظمها بعض المؤسسات الفلسطينية الحكومية منها والخاصة فرصة للوصول وعرض مشروعها وذلك لأكبر شريحة ممكنة من المواطنين، حيث شاركت بـ 40 معرضاً حتى الآن لتسويق منتجهاالصديق للبيئة.
كما حصلت على المركز الأول بخطة "أفضل ريادي" في المسابقات والمهرجانات التي تنظمها الجهات المحلية وذلك ثلاث مرات على التوالي والذي موّل من جهات عربية وعالمية، ما مكنها من فتح محلٍ لعرض منتجاتها وسط مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، بحيث يكون عنواناً دائماً لزبائنها.
ولا تنكر زاهدة أن ارتفاع أجرة المحال التجارية في مدينة الخليل يحول دون تمكن العديد من الشبان من تسويق منتجاتهم التييعكفون على تصنيعها يدويا وعرضها في محل خاص، مشيرة إلى أن هناك محال تصل أجرة المتر المربع الواحد فيها إلى 800 دينار، ناهيك عن الضرائب التي تفرضها البلديات.
ولا تزال زاهدة تسوق أشكالا من "عجائب الورق" الفنية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يستعين بها أيضا جمهور المواطنين لطلب وحجز الأشكال الفنية المختلفة، ومنها الأقلام والبومات الصور وبطاقات المعايدة، ومزهريات لوضع الورود والأدوات المكتبية، وكاسات الشاي وفناجين القهوة، وغيرها.
تعميم الفكرة
وتعمل زاهدة أيضا على تعليم الأطفال الذين تشاركهم مخيماتهم الصيفية وتدربهم على طرق الاستفادة من الأوراق التالفة، وإعادة تدويرها بما يحافظ على البيئة وينمي مواهبهم الفنية، ويفتح المجال أمامهم لتفريغ طاقاتهم بطريقة أفضل، كما يساعدهم على قضاء أوقات فراغهم فيما ينفعهم.
وتطمح زاهدة التي تخرجت من جامعة بوليتكنك فلسطين-الأكثر صداقة للبيئة- للمشاركة في المسابقات والمعارض العالمية، للتدليل على قدرة النساء الفلسطينيات، ولعرض تجربتها أملاً في تغيير الصورة النمطية عن المرأة العربية بصورة عامة.
وتمكنت خلال السنوات الماضية من تنظيم ورشات عمل خاصة بخريجات الجامعات لخلق فرص عمل لهن، من خلال الأشغال اليدوية المنوعة، وتأمين مستقبل كريم لهن في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني.
وفي ختام حديثها لـ"آفاق البيئة والتنمية" قالت زاهدة: "عجائب الورق حلم ربيته وكبرت معه، أتمنى أن أراه بين المشاريع العالمية القادرة على النهوض في مجال حماية البيئة الفلسطينية رغم الاحتلال وانتهاكه المستمر لبيئتنا".