ألا يبدو اقتحامه الفظ للمشهد كَمَنْ يَحُلّ ضيفاً على برنامج لم يُدْعَ إليه؟ ربما تحتاج إلى الدخول في جهاز ترامب الدماغي لتفهم أكثر كيف يصبح الصعاليك طغاة، وأبناء المافيا غزاة، والمستأذبون دعاة حب وأنبياء وأبطال حرب يخوضون آخر معاركهم في دور العجزة بين مخادع العارضات، وفناجين العرافات وسوق الأسهم والصحون الفضائية، كأن قدر «الشوارب الكبار: يا عَ طبال يا زمّار»!
طرزان والستائر الشفافة
فَخّاخِيٌّ هو الإعلام وفَضّاحٌ، يصطادك وحشاً سائباً في البرية، ليحولك إلى طرزان الكتروني، قابل للبرمجة، ثم يوهمك بالخصوصية، من وراء ستائر شفافة، لا تبقي ولا تذر من عورات وصور، ولو عدت لمجلة «أتلانتيك» وتحديداً مقالة البروفسور «Dan P.MCADAMS» بعنوانها العريض: «عقل ترامب»، التي صدرت في حزيران/يونيو 2016، لرأيت كيف يجر الكاتب ترامب إلى مشرحة الذاكرة وهو يستعرض إطلالاته الإعلامية ومذكراته التي ضمها في كتابه «أمريكا المشلولة» بعنوان فرعي: «كيف نعيد لأمريكا عظمتها من جديد؟» عام 2015، محللاً اضطراباته النفسية من مركز الاسترجاع الذهني، متسائلاً: من هذا الرجل؟ من أين أتى؟ كيف وصل إلى البيت الأبيض؟ ما الذي يخفيه وراء قناعه الإعلامي: وجهه أم جمجمة أبيه؟! وبعد ذلك عليك أن تقبل خيانة الترجمة مراعاة لأمانة التأمل، فالحَرْفِيّة في النقل تلغي احترافية العقل!
مرحباً بالطغاة في عالم سفاري
عام 1987 أجرت الإعلامية باربرا والترز لقاء مع ترامب، سألته فيه: «هل تفضل أن تكون رئيساً لأمريكا بالتعيين أم بالترشيح؟»، أجاب استناداً لشريعة الغاب: «أحب أن أصطادها، لا أن أمنحها»! في حين يرى أن المشاركة بالأعمال التجارية والبزنسن تقوم على مبدأ وحيد: «أن تحتفظ بقطعة من مؤخرة حمار»، أما مانهاتن فتبدو ليه غابة حقيقية، تمضغ المرء ثم تبصقه، وهي ألفاظ لم تعتبرها مجلة «أتلانتيك» صادمة لشخصية متمكنة بسرقة الأضواء، ضمن معايير تلفزيون الواقع، حتى أن أحد الفنانين وصفه بالخارق للطبيعة «سلبياً»، لأنه غير حقيقي، يعيش فوق الواقع، كممثل يؤدي دوراً على خشبة مسرح في لندن، أو يقع تحت تأثير إحساسه النرجسي بأن هناك من يلاحظه أو يراقبه، وبتطبيق علم النفس الاجتماعي على المشاهير على طريقة سيغموند فرويد، لدراسة الأفكار، والأنماط السلوكية وسمات أبعاد الشخصية، تستنتج سبب ظهوره عام 2000 في فيلم إباحي محاطاً بالنساء العاريات والنبيذ المسكوب على الأرض، وتصدر اسمه للدعايات التلفزيونية، والمنتجعات وشرائح اللحم كما ذكر الطبيب النفسي «هوارد غاردنر» في إحدى ندواته المصورة، عداك عن ظهوره في جنازة والده، يصدر أوامره لحاشيته، مستغرقاً بالتعاظم النفسي وهو يتحدث عن ذاته، لينسى الميت تماماً… ويدخل في غيبوبة الشعور بالاستحقاق، التي تعيدك إلى أحد تصريحاته الإنسانية:
«الرجل هو الحقيقة الأهم بين جميع الحيوانات»، فمرحباً بكم في عالم سفاري!
يعتبر الشيخ حسين عمران، أن الشعب الأمريكي هو أكثر شعوب الأرض تغييباً عن الوعي، بفعل عمليات غسل الأدمغة التي يجريها الإعلام لشيطنة ترامب، فهل علينا أن نعتذر للملائكة يا شيخ عمران؟ أم نعيش على أمل إبليس بالجنة! علماً بأن إبليس نفسه يعترف أنه لكم معمله عندما كان طالباً في المدرسة، فالغضب في صميم كاريزما دونالد، ويتخلل خطابه السياسي، وما نزعة الفكاهة سوى انعكاس للعدوانية وارتياح نفسي للعنف والتحريض… ورفض الآخر، وهو مَنْ اعتبرته النيويورك تايمز مخلصا ًفي عقيدة البيض! فهل تصدق عمران أم ترامب؟ أم تكتفي بالاعتذار للشيطان! أم بالقهقهة على عالم الشقلبة الذي تحارب فيه الشعوب رؤساءها لأنهم لم يوفوا بوعودهم الانتخابية، بينما تتصدى لترامب لأنه الوحيد الذي يفي بها؟!
الاستبداد والعنصرية
المزاح هو متعة ترامب القصوى، رغم تقلباته المزاجية، ولكن هل لك أن تتخيل أن هذا الأداء الأسطوري ما هو إلا انعكاس لاكتئاب مرده الاختلال العاطفي والقلق النفسي الذي يربك الشعور بالاستقرار والتوازن؟ وقد تفاجأ من ردة فعله بعد أن أودى الكحول بحياة أخيه الأكبر الذي فشل بإقناع الأب بمهاراته في إدراة البزنس فاتجه للطيران، حيث قال: «يكفي أنه لم يكن قاتلا»؟!
يرى المنظر النفسي «هاينز كوت» أن الذكريات البعيدة تشي بنرجسية تعويضية، يعززها فقدان الإحساس بالأمن والحاجة إلى الآخرين حين يحبط الأبوان أطفالهما، وشك «كوت» بعلاقة شاذة ومخيفة، تحولت مع الزمن إلى أنانية ونقمة دفعت دونالد لإنكار نسب أحد أطفاله إليه، في مرحلة مبكرة!
يفقد العصابي ثقته بالعالم، فيصاب بفوبيا العدوى من الجراثيم، كما صرح الإخصائي الاجتماعي «جيسي غراهام»، بحيث يسعى للتنقية، من الطفيليات والسموم والشوائب، والتهجير القسري في درب الدموع التي امتدت من جورجيا إلى أوكلاهوما! وكلها مواصفات الشخصية الاستبدادية الديماغوجية بكل غوغائيتها وبدائيتها، محتفظة بماركة الأنماط السلوكية للطغاة: الخوف من الضعف، والعجز الجنسي، والسعي للتعويض عنهما بالإبهار الإعلامي والتمتع بغنائم الشهرة!
العربية وضحايا صيدنايا
استعرضت العربية مجزرة سجن صيدنايا، والإعدامات الجماعية السرية التي راح ضحيتها 13 ألف معارض سوري، بين 2011- 2013، معرجة على أساليب التعذيب الوحشية التي اتبعها النظام، مع عرض صورة للأقمار الصناعية تبين ارتفاع عدد المقابر الجماعية، وفظاعة الانتهاكات الإنسانية والقانونية من اغتصاب وشبح، وووو، ولسنا ننكر تميز نجوى قاسم على المستوى المهني والإنساني بالتفاعل مع القضية بما يليق بقدسية المعاناة وارتعاشات السماوات لهولها، إلا أنها اختتمت بطامة الدرك الأسفل، وهي تقارن بين سجون الموساد الاسرائيلي وسجون الأسد، قائلة: غطيت في مشواري الإعلامي ظروف الاعتقال في السجون الاسرائيلية، وهي تهون كثيرًا عن سجون النظام! فهل يجرؤ الإعلام العربي وعلى رأسه «العربية» على التفاعل بهذه الجرأة مع انتهاكات الصهاينة في السجون؟
مقارنة القاسم بين السجانين لا تشوه النظام، ولا تبرئ المحتل بقدر ما تهين صمود وكبرياء أبطال الحرية في فلسطين، ولا تحترم آلامهم التي يعفون عن البوح بها مراعاة للأنفة والتحدي، على حساب الوهن والشكوى والاستعانة بالأجنبي!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن