أوجد السودان لاسمه مكانة رفيعة بين الأوساط المهتمة بالمناخ بعد توقيعه على اتفاقية تغيّر المناخ في عام 1992 والمصادقة عليها بعد عام من ذلك، ليصبح عضواً في الهيئة الحكومية لتغير المناخ. ومنذ ذلك الوقت، كان له حضور كبير في الداخل والخارج في ما يتعلق بمكافحة تغير المناخ، وإعداد الاستراتيجيات اللازمة. ونتيجة لهذه الجهود، عرف كثيرون مدى معاناة بلدٍ يفوق عدد سكانه 37 مليون نسمة، يقبع نصفهم (تقريباً) تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات عام 2012، وتعدّ أوزان 32 في المائة من أطفاله تحت سن الخامسة، ما دون المعدل المطلوب، بحسب المسح الأسري القومي في عام 2010. كذلك، ترتفع نسبة المصابين بفقر الدم في البلاد، وقد وصلت إلى 16.4 في المائة بحسب منظمة الصحة العالمية .
ويبقى التحدّي كبيراً أمام الباحثين والعاملين في القطاع التنموي، علماً أن الأمن الغذائي يعتمد على الأمطار، بحسب الخبير ميرغني بن عوف. إلا أن النظم الإيكولوجية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة تؤدي إلى انخفاض نسبة الأمطار، يضاف إلى ذلك سوء استخدام الأراضي.
ورغم كلّ هذا، تجد تنبؤات المجلس الأعلى للبيئة، من لا يرضى برفع الراية البيضاء. النداءات العالمية تجد صداها في الداخل، خصوصاً تلك التي تقول إنه ينبغي أن تتكيّف الزراعة والنظم الغذائية مع الآثار السلبية لتغير المناخ، وأن تصبح أكثر صموداً وإنتاجية واستدامة، وهي الطريقة الوحيدة لضمان صالح النظم الإيكولوجية وسكان الريف.
مثلاً، أن تتجه الأحزمة الزراعيّة والإيكولوجية إلى الجنوب، فذلك يعني زيادة رقعة الصحراء. وأن يصل النقص في إنتاج الذرة إلى ما بين 30 و70 في المائة، والصمغ العربي إلى ما بين 25 و30 في المائة، فهذا يعني ضرورة التخطيط السليم، وأن تتناقص المياه الجوفية والسطحية بسبب قلة الامطار وارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر، فهذا يعني المزيد من ترشيد الاستهلاك.
ويؤكّد بن عوف أن الحفاظ على التنوع الحيوي هو الملاذ الوحيد للبقاء على قيد الحياة، علماً أن هناك مئات مصادر الغذاء، إلا أن السودانيين لا يستفيدون إلا من العشرات منها، ما يشير إلى أهمية التعليم الإيجابي والتوعية. وكما يقول غاندي: "أمنا الأرض قادرة على أن تفي بكل حاجاتنا الأساسية، لكنها لا تستطيع، ولن تستطيع أن تفي بجشعنا". وقد تمحورت رسالة يوم الأغذية العالمي لهذا العام، والذي اختار "المناخ يتغير.. الزراعة والغذاء أيضاً "، حول ضرورة التغيير من أجل معالجة آثار تغير المناخ.
(متخصص في شؤون البيئة)